الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: دَنَا حِسَابُ النَّاسِ عَلَى أَعْمَالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوهَا فِي دُنْيَاهُمْ وَنِعَمِهِمُ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْهِمْ فِيهَا فِي أَبْدَانِهِمْ، وَأَجْسَامِهِمْ، وَمَطَاعِمِهِمْ، وَمَشَارِبِهِمْ، وَمَلَابِسِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ نِعَمِهِ عِنْدَهُمْ، وَمَسْأَلَتِهِ إِيَّاهُمْ مَاذَا عَمِلُوا فِيهَا؛ وَهَلْ أَطَاعُوهُ فِيهَا، فَانْتَهَوْا إِلَى أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ فِي جَمِيعِهَا، أَمْ عَصَوْهُ فَخَالَفُوا أَمْرَهُ فِيهَا؟ {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} يَقُولُ: وَهُمْ فِي الدُّنْيَا عَمَّا اللَّهُ فَاعِلٌ بِهِمْ مِنْ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَعَنْ دُنُوِّ مُحَاسَبَتِهِ إِيَّاهُمْ مِنْهُمْ، وَاقْتِرَابِهِ لَهُمْ فِي سَهْوٍ وَغَفْلَةٍ، وَقَدْ أَعْرَضُوا عَنْ ذَلِكَ، فَتَرَكُوا الْفِكْرَ فِيهِ، وَالِاسْتِعْدَادَ لَهُ، وَالتَّأَهُّبَ، جَهْلًا مِنْهُمْ بِمَا هُمْ لَاقَوْهُ عِنْدَ ذَلِكَ مِنْ عَظِيمِ الْبَلَاءِ، وَشَدِيدِ الْأَهْوَالِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، وَجَاءَ الْأَثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ: ثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: ثَنِي أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ} قَالَ: فِي الدُّنْيَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا يُحْدِثُ اللَّهُ مِنْ تَنْـزِيلِ شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ، وَيُذَكِّرُهُمْ بِهِ وَيَعِظُهُمْ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ، وَهُمْ يَلْعَبُونَ لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ}... الْآيَةَ، يَقُولُ: مَا يُنَـزِّلُ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ {لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} غَافِلَةً: يَقُولُ: مَا يَسْتَمِعُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الَّذِينَ وَصَفَ صِفَتَهُمْ هَذَا الْقُرْآنَ إِلَّا وَهُمْ يَلْعَبُونَ غَافِلَةً عَنْهُ قُلُوبُهُمْ، لَا يَتَدَبَّرُونَ حُكْمَهُ وَلَا يَتَفَكَّرُونَ فِيمَا أَوْدَعَهُ اللَّهُ مِنَ الْحُجَجِ عَلَيْهِمْ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} يَقُولُ: غَافِلَةً قُلُوبُهُمْ. وَقَوْلُهُ {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} يَقُولُ: وَأَسَرَّ هَؤُلَاءِ النَّاسُ الَّذِينَ اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ مِنْهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ، النَّجْوَى بَيْنَهُمْ، يَقُولُ: وَأَظْهَرُوا الْمُنَاجَاةَ بَيْنَهُمْ فَقَالُوا: هَلْ هَذَا الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ أَرْسَلَهُ إِلَيْكُمْ، إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ: يَقُولُونَ: هَلْ هُوَ إِلَّا إِنْسَانٌ مِثْلُكُمْ فِي صُوَرِكُمْ وَخَلْقِكُمْ؟ يَعْنُونَ بِذَلِكَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ الَّذِينَ ظَلَمُوا فَوَصَفَهُمْ بِالظُّلْمِ بِفِعْلِهِمْ وَقِيلِهِمُ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ عَنْهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ إِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ وَيَقُولُونَ مِنَ الْإِعْرَاضِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَالتَّكْذِيبِ بِرَسُولِهِ وَلِلَّذِينِ مِنْ قَوْلِهِ {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} فِي الْإِعْرَابِ وَجْهَانِ: الْخَفْضُ عَلَى أَنَّهُ تَابِعٌ لِلنَّاسِ فِي قَوْلِهِ {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ} وَالرَّفْعُ عَلَى الرَّدِّ عَلَى الْأَسْمَاءِ الَّذِينَ فِي قَوْلِهِ {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} مِنْ ذِكْرِ النَّاسِ، كَمَا قِيلَ: {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَفْعًا عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَيَكُونُ مَعْنَاهُ: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى، ثُمَّ قَالَ: هُمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا. وَقَوْلُهُ {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} يَقُولُ: وَأَظْهَرُوا هَذَا الْقَوْلَ بَيْنَهُمْ، وَهِيَ النَّجْوَى الَّتِي أَسَرُّوهَا بَيْنَهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَتَقْبَلُونَ السِّحْرَ وَتُصَدِّقُونَ بِهِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ سَحْرٌ؟ يَعْنُونَ بِذَلِكَ الْقُرْآنَ. كَمَا حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} قَالَ: قَالَ أَهْلُ الْكُفْرِ لِنَبِيِّهِمْ لَمَّا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، زَعَمُوا أَنَّهُ سَاحِرٌ، وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ سِحْرٌ، قَالُوا: أَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ؟
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ (قُلْ رَبِّي) فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ (قُلْ رَبِّي) عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ، وَقَرَأَهُ بَعْضُ قُرَّاءِ مَكَّةَ وَعَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ (قَالَ رَبِّي) عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ. وَكَأَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوهُ عَلَى وَجْهِ الْأَمْرِ أَرَادُوا مِنْ تَأْوِيلِهِ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلْقَائِلِينَ {أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ} رَبِّي يَعْلَمُ قَوْلَ كُلِّ قَائِلٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ لِذَلِكَ كُلِّهِ، وَلِمَا يَقُولُونَ مِنَ الْكَذِبِ، الْعَلِيمُ بِصِدْقِي وَحَقِيقَةِ مَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ، وَبَاطِلِ مَا تَقُولُونَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا. وَكَأَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ قَالَ عَلَى وَجْهِ الْخَبَرِ أَرَادُوا، قَالَ مُحَمَّدُ: رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ جَوَابِ نَبِيِّهِ إِيَّاهُمْ. وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قَرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عُلَمَاءٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، وَجَاءَتْ بِهِمَا مَصَاحِفُ الْمُسْلِمِينَ مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ إِذَا أَمَرَ مُحَمَّدًا بِقِيلِ ذَلِكَ قَالَهُ، وَإِذَا قَالَهُ فَعَنْ أَمْرِ اللَّهِ قَالَهُ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ فِي قِرَاءَتِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا صَدَّقُوا بِحِكْمَةِ هَذَا الْقُرْآنِ، وَلَا أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَلَا أَقَرُّوا بِأَنَّهُ وَحْيٌ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ أَهَاوِيلُ رُؤْيَا رَآهَا فِي النَّوْمِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ فِرْيَةٌ وَاخْتِلَاقٌ افْتَرَاهُ وَاخْتَلَقَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ مُحَمَّدٌ شَاعِرٌ، وَهَذَا الَّذِي جَاءَكُمْ بِهِ شِعْرٌ (فَلْيَأْتِنَا) بِهِ يَقُولُ: قَالُوا فَلْيَجِئْنَا مُحَمَّدٌ إِنْ كَانَ صَادِقًا فِي قَوْلِهِ، إِنَّ اللَّهَ بَعَثَهُ رَسُولًا إِلَيْنَا وَإِنَّ هَذَا الَّذِي يَتْلُوهُ عَلَيْنَا وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ أَوْحَاهُ إِلَيْنَا، (بِآيَةٍ) يَقُولُ: بِحُجَّةٍ وَدَلَالَةٍ عَلَى حَقِيقَةِ مَا يَقُولُ وَيَدَّعِي {كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ} يَقُولُ: كَمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ الْأَوَّلُونَ مِنْ قَبْلِهِ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى، وَإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ وَكَنَاقَةِ صَالِحٍ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إِلَّا اللَّهُ وَلَا يَأْتِي بِهَا إِلَّا الْأَنْبِيَاءُ وَالرُّسُلُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} أَيْ فِعْلِ حَالِمٍ، إِنَّمَا هِيَ رُؤْيَا رَآهَا {بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ} كُلُّ هَذَا قَدْ كَانَ مِنْهُمْ. وَقَوْلُهُ {فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ} يَقُولُ: كَمَا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ وَمُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ، وَالرُّسُلِ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ {أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} قَالَ: مُشْتَبِهَةٌ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ {أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} قَالَ أَهَاوِيلُهَا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. وَقَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ: بَلْ قَالُوا: وَلَا جَحْدَ فِي الْكَلَامِ ظَاهِرٌ فَيُحَقَّقُ بِبَلْ، لِأَنَّ الْخَبَرَ عَنْ أَهْلِ الْجَحُودِ وَالتَّكْذِيبِ، فَاجْتُزِيَ بِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ، بَلْ مِنْ ذِكْرِ الْخَبَرِ عَنْهُمْ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا آمَنُ مِنْ قَبْلِ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ مُحَمَّدًا مِنْ مُشْرِكِي قَوْمِهِ الَّذِينَ قَالُوا: فَلْيَأْتِنَا مُحَمَّدٌ بِآيَةٍ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ قَبْلَهُ مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ عَذَّبْنَاهُمْ بِالْهَلَاكِ فِي الدُّنْيَا، إِذْ جَاءَهُمْ رَسُولُنَا إِلَيْهِمْ بِآيَةٍ مُعْجِزَةٍ {أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ} يَقُولُ: أَفَهَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبُونَ مُحَمَّدًا السَّائِلُوهُ الْآيَةَ يُؤْمِنُونَ إِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ وَلَمْ تُؤْمِنْ قَبْلَهُمْ أَسْلَافُهُمْ مِنَ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ الَّتِي أَهْلَكْنَاهَا بِرُسُلِهَا مَعَ مَجِيئِهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ {أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ} يُصَدِّقُونَ بِذَلِكَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ} أَيِ الرُّسُلِ كَانُوا إِذَا جَاءُوا قَوْمَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَلَمْ يُؤْمِنُوا لَمْ يُنَاظَرُوا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ: وَمَا أَرْسَلْنَا يَا مُحَمَّدُ قَبْلَكَ رَسُولًا إِلَى أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي خَلَّتْ قَبْلَ أُمَّتِكَ إِلَّا رِجَالًا مِثْلَهُمْ نُوحِي إِلَيْهِمْ، مَا نُرِيدُ أَنْ نُوحِيَهُ إِلَيْهِمْ مِنْ أَمْرِنَا وَنَهْيِنَا، لَا مَلَائِكَةً، فَمَاذَا أَنْكَرُوا مِنْ إِرْسَالِنَا لَكَ إِلَيْهِمْ، وَأَنْتَ رَجُلٌ كَسَائِرِ الرُّسُلِ الَّذِينَ قَبْلَكَ إِلَى أُمَمِهِمْ. وَقَوْلُهُ {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} يَقُولُ لِلْقَائِلِينَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَنَاجِيهِمْ بَيْنَهُمْ: هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، فَإِنْ أَنْكَرْتُمْ وَجَهِلْتُمْ أَمْرَ الرُّسُلِ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِ مُحَمَّدٍ، فَلَمْ تَعْلَمُوا أَيُّهَا الْقَوْمُ أَمْرَهُمْ إِنْسًا كَانُوا أَمْ مَلَائِكَةً، فَاسْأَلُوا أَهْلَ الْكُتُبِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مَا كَانُوا يُخْبِرُوكُمْ عَنْهُمْ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} يَقُولُ فَاسْأَلُوا أَهْلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: أَرَاهُ أَنَا قَالَ: يُخْبِرُوكُمْ أَنَّ الرُّسُلَ كَانُوا رِجَالًا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ، وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ. وَقِيلَ: أَهْلُ الذِّكْرِ: أَهْلُ الْقُرْآنِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطُّوسِيُّ قَالَ: ثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُوسَى بْنُ عُثْمَانَ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ قَالَ: لَمَّا نَـزَلَتْ {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} قَالَ: عَلِيٌّ: نَحْنُ أَهْلُ الذِّكْرِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} قَالَ: أَهْلُ الْقُرْآنِ، وَالذِّكْرُ: الْقُرْآنُ. وَقَرَأَ {إِنَّا نَحْنُ نَـزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا جَعَلْنَا الرُّسُلَ الَّذِينَ أَرْسَلْنَاهُمْ مِنْ قَبْلِكَ يَا مُحَمَّدُ إِلَى الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ أُمَّتِكَ، {جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} يَقُولُ: لَمْ نَجْعَلْهُمْ مَلَائِكَةً لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ، وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُمْ أَجْسَادًا مِثْلَكَ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} يَقُولُ: مَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا إِلَّا لِيَأْكُلُوا الطَّعَامَ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} يَقُولُ: لَمْ أَجْعَلْهُمْ جَسَدًا لَيْسَ فِيهِمْ أَرْوَاحٌ لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ، وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا فِيهَا أَرْوَاحٌ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَالَ: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا} فَوَحَّدَ الْجَسَدَ وَجَعَلَهُ مُوَحَّدًا، وَهُوَ مِنْ صِفَةِ الْجَمَاعَةِ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْجَسَدَ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ، كَمَا يُقَالُ فِي الْكَلَامِ: وَمَا جَعَلْنَاهُمْ خَلْقًا لَا يَأْكُلُونَ. وَقَوْلُهُ {وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ} يَقُولُ: وَلَا كَانُوا أَرْبَابًا لَا يَمُوتُونَ وَلَا يَفْنَوْنَ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا بَشَرًا أَجْسَادًا فَمَاتُوا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا قَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} إِلَى قَوْلِهِ {أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا} قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُمْ: مَا فَعَلْنَا ذَلِكَ بِأَحَدٍ قَبْلَكُمْ فَنَفْعَلُ بِكُمْ، وَإِنَّمَا كُنَّا نُرْسِلُ إِلَيْهِمْ رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا نُوحِي إِلَيْهِ أَمْرَنَا وَنَهْيَنَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ} أَيْ لَا بُدَّ لَهُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَنْ يَمُوتُوا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ثُمَّ صَدَقْنَا رُسُلَنَا الَّذِينَ كَذَّبَهُمْ أُمَمُهُمْ وَسَأَلَتْهُمُ الْآيَاتِ، فَأَتَيْنَاهُمْ مَا سَأَلُوهُ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ أَقَامُوا عَلَى تَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهَا، وَأَصَرُّوا عَلَى جُحُودِهِمْ نُبُوَّتَهَا بَعْدَ الَّذِي أَتَتْهُمْ بِهِ مِنْ آيَاتِ رَبِّهَا، وَعْدَنَا الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ مِنَ الْهَلَاكِ عَلَى إِقَامَتِهِمْ عَلَى الْكُفْرِ بِرَبِّهِمْ بَعْدَ مَجِيءِ الْآيَةِ الَّتِي سَأَلُوا، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ {فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} وَكَقَوْلِهِ {وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ} وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْمَوَاعِيدِ الَّتِي وَعَدَ الْأُمَمَ مَعَ مَجِيءِ الْآيَاتِ، وَقَوْلِهِ (فَأَنْجَيْنَاهُمْ) يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَأَنْجَيْنَا الرُّسُلَ عِنْدَ إِصْرَارِ أُمَمِهَا عَلَى تَكْذِيبِهَا بَعْدَ الْآيَاتِ، (وَمَنْ نَشَاءُ) وَهُمْ أَتْبَاعُهَا الَّذِينَ صَدَقُوهَا وَآمَنُوا بِهَا، وَقَوْلُهُ {وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَهْلَكْنَا الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِكُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ {وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ} وَالْمُسْرِفُونَ: هُمُ الْمُشْرِكُونَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَقَدْ أَنْـزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}. اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ، لَقَدْ أَنْـزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ، فِيهِ حَدِيثُكُمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ {فِيهِ ذِكْرُكُمْ} قَالَ: حَدِيثُكُمْ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ {لَقَدْ أَنْـزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ} قَالَ: حَدِيثُكُمْ (أَفَلَا تَعْقِلُونَ) قَالَ: فِي قَدْ أَفْلَحَ {بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ}. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ: نَـزَلَ الْقُرْآنُ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، أَلَمْ تَسْمَعْهُ يَقُولُ {لَقَدْ أَنْـزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ}. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِالذِّكْرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: الشَّرَفُ، وَقَالُوا: مَعْنَى الْكَلَامِ: لَقَدْ أَنْـزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ شَرَفُكُمْ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي أَشْبَهُ بِمَعْنَى الْكَلِمَةِ، وَهُوَ نَحْوٌ مِمَّا قَالَ سُفْيَانُ الَّذِي حَكَيْنَا عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ شَرَفٌ لِمَنِ اتَّبَعَهُ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَثِيرًا قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ، وَالْقَصْمُ: أَصْلُهُ الْكَسْرُ، يُقَالُ مِنْهُ: قَصَمْتَ ظَهْرَ فُلَانٍ إِذَا كَسَرْتَهُ، وَانْقَصَمَتْ سِنُّهُ: إِذَا انْكَسَرَتْ، وَهُوَ هَاهُنَا مَعْنِيٌّ بِهِ أَهْلَكْنَا، وَكَذَلِكَ تَأَوَّلَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ {وَكَمْ قَصَمْنَا} قَالَ: أَهْلَكْنَا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ} قَالَ: أَهْلَكْنَاهَا، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ، قَالَ: بِالْيَمَنِ قَصَمْنَا، بِالسَّيْفِ أَهْلَكُوا. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ {قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ} قَالَ: قَصَمَهَا أَهْلَكَهَا. وَقَوْلُهُ {مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً} أَجْرَى الْكَلَامَ عَلَى الْقَرْيَةِ، وَالْمُرَادُ بِهَا أَهْلُهَا لِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ بِمَعْنَاهُ، وَكَأَنَّ ظُلْمَهَا كُفْرُهَا بِاللَّهِ وَتَكْذِيبُهَا رُسُلَهُ، وَقَوْلُهُ {وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَحْدَثْنَا بَعْدَ مَا أَهْلَكْنَا هَؤُلَاءِ الظَّلَمَةَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الَّتِي قَصَمْنَاهَا بِظُلْمِهَا قَوْمًا آخَرِينَ سِوَاهُمْ. وَقَوْلُهُ {فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا} يَقُولُ: فَلَمَّا عَايَنُوا عَذَابَنَا قَدْ حَلَّ بِهِمْ وَرَأَوْهُ قَدْ وَجَدُوا مَسَّهُ، يُقَالُ مِنْهُ: قَدْ أَحْسَسْتُ مِنْ فُلَانٍ ضَعْفًا، وَأَحَسَّتْهُ مِنْهُ {إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ} يَقُولُ: إِذَا هُمْ مِمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا النَّازِلَ بِهِمْ يَهْرُبُونَ سِرَاعًا عَجْلَى، يَعْدُونَ مُنْهَزِمِينَ، يُقَالُ مِنْهُ: رَكَضَ فُلَانٌ فَرَسَهُ: إِذَا كَدَّهُ سِيَاقَتُهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا تَهْرُبُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ: يَقُولُ: إِلَى مَا أُنْعِمْتُمْ فِيهِ مِنْ عِيشَتِكُمْ وَمَسَاكِنِكُمْ. كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ {لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} يَعْنِي مَنْ نَـزَلَ بِهِ الْعَذَابُ فِي الدُّنْيَا مِمَّنْ كَانَ يَعْصِي اللَّهَ مِنَ الْأُمَمِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ {لَا تَرْكُضُوا} لَا تَفِرُّوا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ {وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ} يَقُولُ: ارْجِعُوا إِلَى دُنْيَاكُمُ الَّتِي أُتْرِفْتُمْ فِيهَا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدَ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ {وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ} قَالَ: إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ مِنْ دُنْيَاكُمْ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ {لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: لَعَلَّكُمْ تَفْقَهُونَ وَتَفْهَمُونَ بِالْمَسْأَلَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ {لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} قَالَ: تَفْقَهُونَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ {لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} قَالَ: تَفْقَهُونَ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَاهُ لَعَلَّكُمْ تَسْأَلُونَ مِنْ دُنْيَاكُمْ شَيْئًا عَلَى وَجْهِ السُّخْرِيَةِ وَالِاسْتِهْزَاءِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ {لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} اسْتِهْزَاءً بِهِمْ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدَ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ {لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} مِنْ دُنْيَاكُمْ شَيْئًا، اسْتِهْزَاءً بِهِمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَالَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَحَلَّ اللَّهَ بِهِمْ بَأْسَهُ بِظُلْمِهِمْ لَمَّا نَـزَلَ بِهِمْ بِأَسُ اللَّهِ: يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ بِكُفْرِنَا بِرَبِّنَا، فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ يَقُولُ فَلَمْ تَزَلْ دَعْوَاهُمْ، حِينَ أَتَاهُمْ بَأْسُ اللَّهِ، بِظُلْمِهِمْ أَنْفُسَهُمْ: {يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} حَتَّى قَتَلَهُمُ اللَّهُ، فَحَصَدَهُمْ بِالسَّيْفِ كَمَا يُحْصَدُ الزَّرْعُ وَيُسْتَأْصَلُ قِطَعًا بِالْمَنَاجِلِ، وَقَوْلُهُ (خَامِدِينَ) يَقُولُ: هَالِكِينَ قَدِ انْطَفَأَتْ شَرَارَتُهُمْ، وَسَكَنَتْ حَرَكَتُهُمْ، فَصَارُوا هُمُودًا كَمَا تُخْمَدُ النَّارُ فَتُطْفَأُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ}... الْآيَةَ: فَلَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَعَايَنُوهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ هِجِّيرَى إِلَّا قَوْلَهُمْ {يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} حَتَّى دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَأَهْلَكَهُمْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدَ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ {قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ} يَقُولُ: حَتَّى هَلَكُوا. كَمَا حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ (حَصِيدًا) الْحَصَادُ (خَامِدَيْنِ) خُمُودُ النَّارِ إِذَا طًفِئَتْ. حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إِنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ حُصُونٍ، وَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ عَلَيْهِمْ بُخْتُنَصَّرَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ جَيْشًا فَقَتَلَهُمْ بِالسَّيْفِ، وَقَتَلُوا نَبِيًّا لَهُمْ فَحُصِدُوا بِالسَّيْفِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ {فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ} بِالسَّيْفِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا} إِلَّا حُجَّةً عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، وَلِتَعْتَبِرُوا بِذَلِكَ كُلِّهِ، فَتَعْلَمُوا أَنَّ الَّذِي دَبَّرَهُ وَخَلَقَهُ لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ، وَأَنَّهُ لَا تَكُونُ الْأُلُوهِيَّةُ إِلَّا لَهُ، وَلَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ لِشَيْءِ غَيْرِهِ، وَلَمْ يَخْلُقْ ذَلِكَ عَبَثًا وَلَعِبًا. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} يَقُولُ: مَا خَلَقْنَاهُمَا عَبَثًا وَلَا بَاطِلًا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ زَوْجَةً وَوَلَدًا لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ مِنْ عِنْدِنَا، وَلَكِنَّا لَا نَفْعَلُ ذَلِكَ، وَلَا يَصْلُحُ لَنَا فِعْلُهُ وَلَا يَنْبَغِي، لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ وَلَدٌ وَلَا صَاحِبَةٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْغَيْدَانِي قَالَ: ثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ قَالَ: ثَنَا سَلَامُ بْنُ مِسْكِينٍ قَالَ: ثَنَا عَقَبَةُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ: شَهِدْتُ الْحَسَنَ بِمَكَّةَ، قَالَ: وَجَاءَهُ طَاوُسُ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ فَسَأَلُوهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَا} قَالَ الْحَسَنُ: اللَّهْوُ: الْمَرْأَةُ. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو السَّكُونِيُّ قَالَ: ثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ هَارُونَ عَنْ مُحَمَّدِ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا} قَالَ: زَوْجَةً. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا}... الْآيَةَ، أَيْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ وَلَا يَنْبَغِي. وَاللَّهْوُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ الْمَرْأَةُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدَ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا} قَالَ: اللَّهْوُ فِي بَعْضِ لُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ: الْمَرْأَةُ {لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا}. وَقَوْلُهُ {إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} يَقُولُ: مَا كُنَّا فَاعِلِينَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالُوامَرْيَمُصَاحِبَتُهُ، وَعِيسَى وَلَدُهُ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا} نِسَاءً وَوَلَدًا {لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ} قَالَ: مِنْ عِنْدِنَا، وَلَا خَلَقْنَا جَنَّةً وَلَا نَارًا، وَلَا مَوْتًا وَلَا بَعْثًا وَلَا حِسَابًا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ {لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا} مِنْ عِنْدِنَا، وَمَا خَلَقْنَا جَنَّةً وَلَا نَارًا وَلَا مَوْتًا وَلَا بَعْثًا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَلَكِنْ نُنَـزِّلُ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِنَا، وَهُوَ كِتَابُ اللَّهِ وَتَنْـزِيلُهُ عَلَى الْكُفْرِ بِهِ وَأَهْلِهِ، فَيَدْمَغُهُ، يَقُولُ: فَيُهْلِكُهُ كَمَا يَدْمَغُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بِأَنْ يَشُجَّهُ عَلَى رَأْسِهِ شَجَّةً تَبْلُغُ الدِّمَاغَ، وَإِذَا بَلَغَتِ الشَّجَّةُ ذَلِكَ مِنَ الْمَشْجُوجِ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدَهَا حَيَاةٌ. وَقَوْلُهُ {فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} يَقُولُ: فَإِذَا هُوَ هَالَكٌ مُضْمَحِلٌّ. كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدَ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ {فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} قَالَ: هَالَكٌ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ {فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} قَالَ: ذَاهِبٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} وَالْحُقُّ كِتَابُ اللَّهِ الْقُرْآنُ، وَالْبَاطِلُ: إِبْلِيسُ، فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ: أَيْ ذَاهِبٌ. وَقَوْلُهُ {وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} يَقُولُ: وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِنْ وَصْفِكُمْ رَبَّكُمْ بِغَيْرِ صِفَتِهِ، وَقِيلِكُمْ إِنَّهُ اتَّخَذَ زَوْجَةً وَوَلَدًا، وَفِرْيَتُكُمْ عَلَيْهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، إِلَّا أَنْ بَعْضَهُمْ قَالَ: مَعْنَى تَصِفُونَ تَكْذِبُونَ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ: تُشْرِكُونَ، وَذَلِكَ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ بِهِ الْأَلِفَاظُ فَمُتَّفِقَةٌ مَعَانِيهِ؛ لِأَنَّ مَنْ وَصَفَ اللَّهَ بِأَنَّ لَهُ صَاحِبَةً فَقَدْ كَذَبَ فِي وَصْفِهِ إِيَّاهُ بِذَلِكَ، وَأَشْرَكَ بِهِ وَوَصَفَهُ بِغَيْرِ صِفَتِهِ، غَيْرَ أَنَّ أَوْلَى الْعِبَارَاتِ أَنْ يُعَبَّرَ بِهَا عَنْ مَعَانِي الْقُرْآنِ أَقْرَبُهَا إِلَى فَهْمِ سَامِعِيهِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: {وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} أَيْ تَكْذِبُونَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ {وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} قَالَ: تُشْرِكُونَ وَقَوْلُهُ (عَمَّا يَصِفُونَ) قَالَ: يُشْرِكُونَ قَالَ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ {سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ} قَالَ: قَوْلَهُمُ الْكَذِبَ فِي ذَلِكَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَتَّخِذَ اللَّهُ لَهْوًا، وَلَهُ مُلْكُ جَمِيعِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَالَّذِينَ عِنْدَهُ مِنْ خَلْقِهِ لَا يَسْتَنْكِفُونَ عَنْ عِبَادَتِهِمْ إِيَّاهُ وَلَا يَعْيَوْنَ مِنْ طُولِ خِدْمَتِهِمْ لَهُ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لَا يَسْتَعْبِدُ وَالِدٌ وَلَدَهُ وَلَا صَاحِبَتَهُ، وَكُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَبِيدُهُ، فَأَنَّى يَكُونُ لَهُ صَاحِبَةٌ وَوَلَدٌ؟ ! يَقُولُ: أَوَلَا تَتَفَكَّرُونَ فِيمَا تَفْتَرُونَ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى رَبِّكُمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ {وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ} لَا يَرْجِعُونَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ {وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ} لَا يَحْسُرُونَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ} قَالَ: لَا يَعْيَوْنَ. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: {وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ} قَالَ: لَا يَعْيَوْنَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ} قَالَ: لَا يَسْتَحْسِرُونَ، لَا يَمَلُّونَ ذَلِكَ الِاسْتِحْسَارَ، قَالَ: وَلَا يَفْتَرُونَ، وَلَا يَسْأَمُونَ، هَذَا كُلُّهُ مَعْنَاهُ وَاحِدٌ وَالْكَلَامُ مُخْتَلِفٌ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: بَعِيرٌ حَسِيرٌ: إِذَا أَعْيَا وَقَامَ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدَةَ: بِهـَا جِـيَفُ الْحَسْـرَى فَأمَّـا عِظَامُهَا *** فَبِيـضٌ، وَأمَّـا جِلْدُهَـا فَصَلِيـبُ
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يُسَبِّحُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ عِنْدَهُ مِنْ مَلَائِكَةٍ رَبَّهُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتَرُونَ مِنْ تَسْبِيحِهِمْ إِيَّاهُ. كَمَا حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سَأَلَ كَعْبًا عَنْ قَوْلِهِ: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} وَ {يَسْبَحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَسْأَمُونَ} فَقَالَ: هَلْ يَئُودُكَ طَرَفُكَ؟ هَلْ يَئُودُكُ نَفَسُكَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَإِنَّهُمْ أُلْهِمُوا التَّسْبِيحَ كَمَا أُلْهِمْتُمُ الطَّرَفَ وَالنَّفَسَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ حَسَّانِ بْنِ مُخَارِقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: قُلْتُ: لِكَعْبِ الْأَحْبَارِ {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} أَمَا يَشْغَلُهُمْ رِسَالَةٌ أَوْ عَمَلٌ؟ قَالَ: يَابْنَ أَخِي إِنَّهُمْ جُعِلَ لَهُمُ التَّسْبِيحُ، كَمَا جُعِلَ لَكُمُ النَّفْسُ، أَلَسْتَ تَأْكُلُ وَتَشْرَبُ وَتَقُومُ وَتَقْعُدُ وَتَجِيءُ وَتَذْهَبُ وَأَنْتَ تَنَفَّسُ؟ قُلْتُ: بَلَى قَالَ: فَكَذَلِكَ جُعِلَ لَهُمُ التَّسْبِيحُ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَبُو دَاوُدَ قَالَا ثَنَا عُمْرَانُ الْقَطَّانُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ عَمْرٍو الْبُكَالِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: إِنِ اللَّهَ خَلَقَ عَشْرَةَ أَجْزَاءٍ، فَجَعَلَ تِسْعَةَ أَجْزَاءٍ الْمَلَائِكَةَ، وَجُزْءًا سَائِرَ الْخَلْقِ، وَجَزَّأَ الْمَلَائِكَةَ عَشْرَةَ أَجْزَاءٍ، فَجَعَلَ تِسْعَةَ أَجْزَاءٍ يَسْبَحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتَرُونَ، وَجُزْءًا لِرِسَالَتِهِ، وَجَزَّأَ الْخَلْقَ عَشْرَةَ أَجْزَاءٍ، فَجَعَلَ تِسْعَةَ أَجْزَاءٍ الْجِنَّ، وَجُزْءًا سَائِرَ بَنِي آدَمَ، وَجَزَّأَ بَنِي آدَمَ عَشْرَةَ أَجْزَاءٍ، فَحَمَلَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ تِسْعَةَ أَجْزَاءٍ وَجُزْءًا سَائِرَ بَنِي آدَمَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} يَقُولُ: الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ هُمْ عِنْدَ الرَّحْمَنِ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ، وَلَا يَسْأَمُونَ فِيهَا. وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ جَالَسٌ مَعَ أَصْحَابِهِ، إِذْ قَالَ: "تَسْمَعُونَ مَا أَسْمَعُ؟ قَالُوا: مَا نَسْمَعُ مِنْ شَيْءٍ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَالَ: إِنِّي لِأَسْمَعُ أَطِيطَ السَّمَاءِ، وَمَا تُلَامُ أَنْ تَئِطَّ وَلَيْسَ فِيهَا مَوْضِعُ رَاحَةٍ إِلَّا وَفِيهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ قَائِمٌ". وَقَوْلُهُ {أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَتَّخَذَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يَنْشِرُونَ: يَعْنِي بِقَوْلِهِ "هُمْ" الْآلِهَةَ، يَقُولُ: هَذِهِ الْآلِهَةُ الَّتِي اتَّخَذُوهَا تَنْشُرُ الْأَمْوَاتَ، يَقُولُ: يُحْيُونَ الْأَمْوَاتَ، وَيَنْشُرُونَ الْخَلْقَ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ. كَمَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنِي عِيسَى "ح" وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ (يُنْشِرُونَ) يَقُولُ: يُحْيُونَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ} يَقُولُ: أَفِي آلِهَتِهِمْ أَحَدٌ يُحْيِي ذَلِكَ يَنْشُرُونَ، وَقَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}... إِلَى قَوْلِهِ {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَوْ كَانَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ آلِهَةٌ تَصْلُحُ لَهُمُ الْعِبَادَةُ سِوَى اللَّهِ الَّذِي هُوَ خَالِقُ الْأَشْيَاءِ، وَلَهُ الْعِبَادَةُ وَالْأُلُوهِيَّةِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ إِلَّا لَهُ (لَفَسَدَتَا) يَقُولُ: لَفَسَدَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ {فَسُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَتَنْـزِيهٌ لِلَّهِ وَتَبْرِئَةٌ لَهُ مِمَّا يَفْتَرِي بِهِ عَلَيْهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِهِ مِنَ الْكَذِبِ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} يُسَبِّحُ نَفْسَهُ إِذْ قِيلَ عَلَيْهِ الْبُهْتَانُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: لَا سَائِلَ يَسْأَلُ رَبَّ الْعَرْشِ عَنِ الَّذِي يَفْعَلُ بِخَلْقِهِ مِنْ تَصْرِيفِهِمْ فِيمَا شَاءَ مِنْ حَيَاةٍ وَمَوْتٍ وَإِعْزَازٍ وَإِذْلَالٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حُكْمِهِ فِيهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ خَلْقُهُ وَعَبِيدُهُ، وَجَمِيعُهُمْ فِي مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ، وَالْحُكْمُ حُكْمُهُ، وَالْقَضَاءُ قَضَاؤُهُ، لَا شَيْءَ فَوْقَهُ يَسْأَلُهُ عَمَّا يَفْعَلُ فَيَقُولُ لَهُ: لِمَ فَعَلْتَ؟ وَلِمَ لَمْ تَفْعَلْ؟ {وَهُمْ يُسْأَلُونَ} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: وَجَمِيعُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مِنْ عِبَادِهِ مَسْئُولُونَ عَنْ أَفْعَالِهِمْ، وَمُحَاسِبُونَ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، وَهُوَ الَّذِي يَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَيُحَاسِبُهُمْ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ فَوْقَهُمْ وَمَالِكُهُمْ، وَهُمْ فِي سُلْطَانِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} يَقُولُ: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ بِعِبَادِهِ، وَهُمْ يُسْأَلُونَ عَنْ أَعْمَالِهِمْ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَوْلُهُ {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} قَالَ: لَا يُسْأَلُ الْخَالِقُ عَنْ قَضَائِهِ فِي خَلْقِهِ، وَهُوَ يَسْأَلُ الْخَلْقَ عَنْ عَمَلِهِمْ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} قَالَ: لَا يُسْأَلُ الْخَالِقُ عَمَّا يَقْضِي فِي خَلْقِهِ، وَالْخُلُقِ مَسْئُولُونَ عَنْ أَعْمَالِهِمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَتَّخَذَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً تَنْفَعُ وَتَضُرُّ، وَتَخْلُقُ وَتُحْيِي وَتُمِيتَ، قُلْ يَا مُحَمَّدُ لَهُمْ: هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ، يَعْنِي حُجَّتَكُمْ يَقُولُ: هَاتُوا إِنْ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ مُحِقُّونَ فِي قَيْلِكُمْ ذَلِكَ حُجَّةً وَدَلِيلًا عَلَى صِدْقِكُمْ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ} يَقُولُ: هَاتُوا بَيِّنَتَكُمْ عَلَى مَا تَقُولُونَ. وَقَوْلُهُ {هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ} يَقُولُ: هَذَا الَّذِي جِئْتُكُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالتَّنْـزِيلِ {ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ} يَقُولُ: خَبَرُ مَنْ مَعِي مِمَّا لَهُمْ مِنْ ثَوَابِ اللَّهِ عَلَى إِيمَانِهِمْ بِهِ، وَطَاعَتِهِمْ إِيَّاهُ، وَمَا عَلَيْهِمْ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ عَلَى مَعْصِيَتِهِمْ إِيَّاهُ وَكَفْرِهِمْ بِهِ {وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي} يَقُولُ: وَخَبَرُ مَنْ قَبْلِي مِنَ الْأُمَمِ الَّتِي سَلَفَتْ قَبْلِي، وَمَا فَعَلَ اللَّهُ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ فَاعِلٌ بِهِمْ فِي الْآخِرَةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ} يَقُولُ: هَذَا الْقُرْآنُ فِيهِ ذِكْرُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ {وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي} يَقُولُ: ذِكْرُ أَعْمَالِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَمَا صَنَعَ اللَّهُ بِهِمْ إِلَى مَا صَارُوا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ {هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ} قَالَ: حَدِيثُ مَنْ مَعِي وَحَدِيثُ مَنْ قَبْلِي. وَقَوْلُهُ {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ} يَقُولُ: بَلْ أَكْثَرُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ لَا يَعْلَمُونَ الصَّوَابَ فِيمَا يَقُولُونَ وَلَا فِيمَا يَأْتُونَ وَيَذْرُوَنَ، فَهُمْ مُعْرِضُونَ عَنِ الْحَقِّ جَهْلًا مِنْهُمْ بِهِ وَقِلَّةَ فَهْمٍ. وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ} عَنْ كِتَابِ اللَّهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا أَرْسَلْنَا يَا مُحَمَّدُ مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَى أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا مَعْبُودَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ لَهُ سِوَايَ فَاعْبُدُونِ يَقُولُ: فَأَخْلِصُوا لِيَ الْعِبَادَةَ، وَأَفْرِدُوا لِيَ الْأُلُوهِيَّةَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} قَالَ: أُرْسِلَتِ الرُّسُلُ بِالْإِخْلَاصِ وَالتَّوْحِيدِ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ "قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: أَظُنُّهُ أَنَا قَالَ": عَمَلٌ حَتَّى يَقُولُوهُ وَيُقِرُّوا بِهِ، وَالشَّرَائِعُ مُخْتَلِفَةٌ، فِي التَّوْرَاةِ شَرِيعَةٌ، وَفِي الْإِنْجِيلِ شَرِيعَةٌ، وَفِي الْقُرْآنِ شَرِيعَةٌ، حَلَالٌ وَحَرَامٌ، وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ وَالتَّوْحِيدِ لَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْكَافِرُونَ بِرَبِّهِمْ: اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا مِنْ مَلَائِكَتِهِ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ اسْتِعْظَامًا مِمَّا قَالُوا، وَتَبَرِيًّا مِمَّا وَصَفُوهُ بِهِ سُبْحَانَهُ، يَقُولُ تَنْـزِيهًا لَهُ عَنْ ذَلِكَ، مَا ذَلِكَ مِنْ صِفَتِهِ {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} يَقُولُ: مَا الْمَلَائِكَةُ كَمَا وَصَفَهُمْ بِهِ هَؤُلَاءِ الْكَافِرُونَ مِنْ بَنِي آدَمَ، وَلَكِنَّهُمْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ، يَقُولُ: أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} قَالَ: قَالَتِ الْيَهُودُ: إِنِ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى صَاهَرَ الْجِنَّ، فَكَانَتْ مِنْهُمُ الْمَلَائِكَةَ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تَكْذِيبًا لَهُمْ وَرَدًّا عَلَيْهِمْ، {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ} وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَيْسَ كَمَا قَالُوا، إِنَّمَا هُمْ عِبَادٌ أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ بِعِبَادَتِهِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدَ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا} قَالَتِ الْيَهُودُ وَطَوَائِفُ مِنَ النَّاسِ: إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَاتَنَ إِلَى الْجِنِّ وَالْمَلَائِكَةِ مِنَ الْجِنِّ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ}، وَقَوْلُهُ: {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا بِمَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ رَبُّهُمْ، وَلَا يَعْمَلُونَ عَمَلًا إِلَّا بِهِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ اللَّهُ {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ} يُثْنِي عَلَيْهِمْ {وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِي مَلَائِكَتِهِ مَا لَمْ يَبْلُغُوهُ مَا هُوَ وَمَا هُمْ فِيهِ قَائِلُونَ وَعَامِلُونَ وَمَا خَلْفَهُمْ، يَقُولُ: وَمَا مَضَى مِنْ قَبْلِ الْيَوْمِ مِمَّا خَلَّفُوهُ وَرَاءَهُمْ مِنَ الْأَزْمَانِ وَالدُّهُورِ مَا عَمِلُوا فِيهِ، قَالُوا ذَلِكَ كُلُّهُ مُحْصًى لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} يَقُولُ: يَعْلَمُ مَا قَدَّمُوا وَمَا أَضَاعُوا مِنْ أَعْمَالِهِمْ {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} يَقُولُ: وَلَا تَشْفَعُ الْمَلَائِكَةُ إِلَّا لِمَنْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} يَقُولُ: الَّذِينَ ارْتَضَى لَهُمْ شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ {إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} قَالَ: لِمَنْ رَضِيَ عَنْهُ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنَى حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} يَوْمَ الْقِيَامَةِ، {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}. حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ يَقُولُ: وَلَا يَشْفَعُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ، وَقَوْلُهُ {وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} يَقُولُ: وَهُمْ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ وَحَذَارِ عِقَابِهِ أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ مُشْفِقُونَ، يَقُولُ: حَذِرُونَ أَنْ يَعْصُوهُ وَيُخَالِفُوا أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَنْ يَقُلْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِ اللَّهِ (فَذَلِكَ) الَّذِي يَقُولُ ذَلِكَ مِنْهُمْ {نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ} يَقُولُ: نُثِيبُهُ عَلَى قِيلِهِ ذَلِكَ جَهَنَّمَ {كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} يَقُولُ: كَمَا نَجْزِي مَنْ قَالَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونَ اللَّهِ جَهَنَّمَ، كَذَلِكَ نَجْزِي ذَلِكَ كُلَّ مَنْ ظَلَمَ نَفْسَهُ، فَكَفَرَ بِاللَّهِ وَعَبَدَ غَيْرَهُ، وَقِيلَ: عَنَى بِهَذِهِ الْآيَةِ إِبْلِيسَ، وَقَالَ قَائِلُو ذَلِكَ: إِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا أَحَدَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَالَ: إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِ اللَّهِ سِوَاهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ} قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: مَنْ يَقُلْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنِّي إِلَهٌ مَنْ دُونِهِ؛ فَلَمْ يَقُلْهُ إِلَّا إِبْلِيسُ دَعَا إِلَى عِبَادَةِ نَفْسِهِ، فَنَـزَلَتْ هَذِهِ فِي إِبْلِيسَ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ خَاصَّةً لِعَدُوِّ اللَّهِ إِبْلِيسَ لَمَّا قَالَ مَا قَالَ، لَعَنَهُ اللَّهُ وَجَعَلَهُ رَجِيمًا، فَقَالَ {فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ} قَالَ: هِيَ خَاصَّةٌ لِإِبْلِيسَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَوَلَمْ يَنْظُرْ هَؤُلَاءِ الَّذِي كَفَرُوا بِاللَّهِ بِأَبْصَارِ قُلُوبِهِمْ فَيَرَوْا بِهَا، وَيَعْلَمُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا، يَقُولُ: لَيْسَ فِيهِمَا ثُقْبٌ، بَلْ كَانَتَا مُلْتَصِقَتَيْنِ، يُقَالُ مِنْهُ: رَتَقَ فُلَانٌ الْفَتْقَ، إِذَا شَدَّهُ، فَهُوَ يَرْتِقُهُ رَتْقًا وَرُتُوقًا، وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي فَرْجُهَا مُلْتَحِمٌ: رَتْقَاءُ، وَوَحَّدَ الرَّتْقَ، وَهُوَ مِنْ صِفَةِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَقَدْ جَاءَ بَعْدَ قَوْلِهِ (كَانَتَا) لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ، مِثْلَ قَوْلِ الزُّورِ وَالصَّوْمِ وَالْفِطْرِ. وَقَوْلُهُ {فَفَتَقْنَاهُمَا} يَقُولُ: فَصَدَّعْنَاهُمَا وَفَرَّجْنَاهُمَا. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى وَصْفِ اللَّهِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالرَّتْقِ وَكَيْفَ كَانَ الرَّتْقُ، وَبَأَيِّ مَعْنًى فَتْقُ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنَى بِذَلِكَ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا مُلْتَصِقَتَيْنِ، فَفَصَلَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا بِالْهَوَاءِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا} يَقُولُ: كَانَتَا مُلْتَصِقَتَيْنِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا}... الْآيَةَ، يَقُولُ: كَانَتَا مُلْتَصِقَتَيْنِ، فَرَفَعَ السَّمَاءَ وَوَضَعَ الْأَرْضَ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ {أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كَانَتَا مُلْتَزِقَتَيْنِ، فَفَتَقَهُمَا اللَّهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ {أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} قَالَ: كَانَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ يَقُولَانِ: كَانَتَا جَمِيعًا، فَفَصَلَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا بِهَذَا الْهَوَاءِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ السَّمَاوَاتِ كَانَتْ مُرْتَتِقَةً طَبَقَةً فَفَتَقَهَا اللَّهُ فَجَعَلَهَا سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَكَذَلِكَ الْأَرْضَ كَانَتْ كَذَلِكَ مُرْتَتِقَةًَ، فَفَتَقَهَا، فَجَعَلَهَا سَبْعَ أَرْضِينَ ذَكَرَ مَنْ قَالَ: ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} مِنَ الْأَرْضِ سِتِّ أَرْضِينَ مَعَهَا فَتِلْكَ سَبْعُ أَرْضِينَ مَعَهَا، وَمِنَ السَّمَاءِ سِتُّ سَمَاوَاتٍ مَعَهَا، فَتِلْكَ سَبْعُ سَمَاوَاتٍ مَعَهَا، قَالَ: وَلَمْ تَكُنِ الْأَرْضُ وَالسَّمَاءُ مُتَمَاسَّتَيْنِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ {رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} قَالَ: فَتَقَهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ، بَعْضَهُنَّ فَوْقَ بَعْضٍ، وَسَبْعَ أَرْضِينَ بَعْضَهُنَّ تَحْتَ بَعْضٍ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي عَاصِمٍ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا صَالِحٍ عَنْ قَوْلِهِ {كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} قَالَ: كَانَتِ الْأَرْضُ رَتْقًا وَالسَّمَاوَاتُ رَتْقًا، فَفَتَقَ مِنَ السَّمَاءِ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ، وَمِنَ الْأَرْضِ سَبْعَ أَرْضِينَ. حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: ثَنَا عَمْرٌو قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ قَالَ: كَانَتْ سَمَاءً وَاحِدَةً ثُمَّ فَتَقَهَا، فَجَعَلَهَا سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ، فِي الْخَمِيسِ وَالْجُمُعَةِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَوْمَ الْجُمُعَةَ لِأَنَّهُ جَمَعَ فِيهِ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، فَذَلِكَ حِينَ يَقُولُ {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ يَقُولُ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا}. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عَنَى بِذَلِكَ أَنَّ السَّمَاوَاتِ كَانَتْ رَتْقًا لَا تُمْطِرُ، وَالْأَرْضَ كَذَلِكَ رَتْقًا لَا تَنْبُتُ، فَفَتَقَ السَّمَاءَ بِالْمَطَرِ وَالْأَرْضِ بِالنَّبَاتِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا هَنَّادُ قَالَ: ثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} قَالَ: كَانَتَا رَتْقًا لَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا شَيْءٌ، فَفَتَقَ السَّمَاءِ بِالْمَطَرِ وَفَتَقَ الْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ. قَالَ: وَهُوَ قَوْلُهُ {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ}. حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الصُّدَائِيُّ قَالَ: ثَنَا أَبِي، عَنِ الْفَضِيلِ بْنِ مَرْزُوقٍ عَنْ عَطِيَّةَ فِي قَوْلِهِ {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} قَالَ: كَانَتِ السَّمَاءُ رَتْقًا لَا تُمْطِرُ، وَالْأَرْضُ رَتْقًا لَا تَنْبُتُ، فَفَتَقَ السَّمَاءَ بِالْمَطَرِ، وَفَتَقَ الْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ، وَجَعَلَ مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ، أَفَلَا يُؤْمِنُونَ؟ حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا} قَالَ: كَانَتِ السَّمَاوَاتُ رَتْقًا لَا يَنْـزِلُ مِنْهَا مَطَرٌ، وَكَانَتِ الْأَرْضُ رَتْقًا لَا يَخْرُجُ مِنْهَا نَبَاتٌ، فَفَتَقَهُمَا اللَّهُ، فَأَنْـزَلَ مَطَرَ السَّمَاءِ، وَشَقَّ الْأَرْضِ فَأَخْرَجَ نَبَاتَهَا، وَقَرَأَ {فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا قِيلَ {فَفَتَقْنَاهُمَا} لِأَنَّ اللَّيْلَ كَانَ قَبْلَ النَّهَارِ، فَفَتَقَ النَّهَارَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَلَقَ اللَّيْلَ قَبْلَ النَّهَارِ، ثُمَّ قَالَ: كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا مِنَ الْمَطَرِ وَالنَّبَاتِ، فَفَتَقْنَا السَّمَاءَ بِالْغَيْثِ وَالْأَرْضَ بِالنَّبَاتِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَمْ يُعَقِّبْ ذَلِكَ بِوَصْفِ الْمَاءِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ إِلَّا وَالَّذِي تَقَدَّمَهُ مِنْ ذِكْرِ أَسْبَابِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَكَيْفَ قِيلَ: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا، وَالْغَيْثُ إِنَّمَا يَنْـزِلُ مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا؟ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ مُخْتَلِفٌ فِيهِ، قَدْ قَالَ قَوْمٌ: إِنَّمَا يَنْـزِلُ مِنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَقَالَ آخَرُونَ: مِنَ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا كَمَا ذَكَرْتُ مِنْ أَنَّهُ يَنْـزِلُ مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا، لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِ {أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} دَلِيلٌ عَلَى خِلَافِ مَا قُلْنَا، لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ السَّمَاوَاتِ، وَالْمُرَادُ مِنْهَا وَاحِدَةٌ فَتُجْمَعُ، لِأَنَّ كُلَّ قِطْعَةٍ مِنْهَا سَمَاءٌ، كَمَا يُقَالُ: ثَوْبٌ أَخْلَاقُ، وَقَمِيصٌ أَسْمَالُ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ قِيلَ إِنِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا، فَالسَّمَاوَاتُ جَمْعٌ، وَحُكْمُ جَمْعِ الْإِنَاثِ أَنْ يُقَالَ فِي قَلِيلِهِ كُنْ، وَفِي كَثِيرِهِ كَانَتْ؟ قِيلَ: إِنَّمَا قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا صِنْفَانِ، فَالسَّمَاوَاتُ نَوْعٌ، وَالْأَرْضُ آخَرُ، وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَعْفُرَ: إِنَّ الْمَنِيَّـةَ وَالْحُـتُوفَ كِلَاهُمَـا *** تُـوفِي الْمَخَـارِمَ يَرْقُبَـانِ سَـوَادِي فَقَالَ كِلَاهُمَا، وَقَدْ ذَكَرَ الْمَنِيَّةَ وَالْحُتُوفَ لِمَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّهُ عَنَى النَّوْعَيْنِ، وَقَدْ أُخْبِرْتُ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مَعْمَرِ بْنِ الْمُثَنَّى قَالَ: أَنْشَدَنِي غَالِبٌ النُّفَيْلِيُّ لِلْقَطَّامِيُّ: أَلَـمْ يَحْـزُنْكَ أَنَّ حِبَـالَ قَيْسٍ *** وَتَغْلِـبَ قَـدْ تَبَايَنَتَـا انْقِطَاعَـا فَجَعَلَ حِبَالَ قَيْسٍ وَهِيَ جَمْعٌ، وَحِبَالُ تَغْلِبَ وَهِيَ جَمْعُ اثْنَيْنِ. وَقَوْلُهُ {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَحْيَيْنَا بِالْمَاءِ الَّذِي نُنَـزِّلُهُ مِنَ السَّمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ. كَمَا حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ حَيٍّ خُلِقَ مِنَ الْمَاءِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَكَيْفَ خَصَّ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ بِأَنَّهُ جُعِلَ مِنَ الْمَاءِ دُونَ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ غَيْرِهِ، فَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ يَحْيَا بِالْمَاءِ الزُّرُوعِ وَالنَّبَاتِ وَالْأَشْجَارِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا حَيَاةَ لَهُ، وَلَا يُقَالُ لَهُ حَيٌّ وَلَا مَيِّتٌ؟ قِيلَ: لِأَنَّهُ لَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا وَلَهُ حَيَاةٌ وَمَوْتٌ، وَإِنْ خَالَفَ مَعْنَاهُ فِي ذَلِكَ مَعْنَى ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ فِي أَنَّهُ لَا أَرْوَاحَ فِيهِنَّ وَأَنَّ فِي ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ أَرْوَاحًا، فَلِذَلِكَ قِيلَ {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}. وَقَوْلُهُ (أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) يَقُولُ: أَفَلَا يُصَدِّقُونَ بِذَلِكَ، وَيُقِرُّونَ بِأُلُوهِيَّةٍ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ وَيُفْرِدُونَهُ بِالْعِبَادَةِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: أَوَ لَمْ يَرَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ أَيْضًا مَنْ حُجَجِنَا عَلَيْهِمْ وَعَلَى جَمِيعِ خَلْقِنَا أَنَّا جَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ جِبَالًا رَاسِيَةً؟ وَالرَّوَاسِي جَمْعُ رَاسِيَةٍ، وَهِيَ الثَّابِتَةُ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ} أَيْ جِبَالًا. وَقَوْلُهُ {أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ} يَقُولُ: أَنْ لَا تَتَكَفَّأَ بِهِمْ، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: فَجَعَلْنَا فِي هَذِهِ الْأَرْضِ هَذِهِ الرَّوَاسِي مِنَ الْجِبَالِ، فَثَبَّتْنَاهَا لِئَلَّا تَتَكَفَّأَ بِالنَّاسِ، وَلِيَقْدِرُوا بِالثَّبَاتِ عَلَى ظَهْرِهَا. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانُوا عَلَى الْأَرْضِ تَمُورُ بِهِمْ لَا تَسْتَقِرُّ، فَأَصْبَحُوا وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ الْجِبَالَ وَهِيَ الرَّوَاسِي أَوْتَادًا لِلْأَرْضِ، وَجَعَلَنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا يَعْنِي مَسَالِكَ، وَاحِدُهَا فَجٌّ. كَمَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا} أَيْ أَعْلَامًا. وَقَوْلُهُ (سُبُلًا) أَيْ طُرُقًا، وَهِيَ جُمْعُ السَّبِيلِ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِيمَا ذُكِرَ عَنْهُ يَقُولُ: إِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ {وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا} وَجَعَلْنَا فِي الرَّوَاسِي، فَالْهَاءُ وَالْأَلِفُ فِي قَوْلِهِ (وَجَعَلْنَا فِيهَا) مِنْ ذِكْرِ الرَّوَاسِي. حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ {وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا} سُبُلًا قَالَ: بَيْنَ الْجِبَالِ. وَإِنَّمَا اخْتَرْنَا الْقَوْلَ الْآخَرَ فِي ذَلِكَ وَجَعَلْنَا الْهَاءَ وَالْأَلِفَ مِنْ ذِكْرِ الْأَرْضِ، لِأَنَّهَا إِذَا كَانَتْ مِنْ ذِكْرِهَا دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ السَّهْلُ وَالْجَبَلُ؛ وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنَ الْأَرْضِ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِخَلْقِهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فِجَاجًا سُبُلًا وَلَا دَلَالَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَنَى بِذَلِكَ فِجَاجَ بَعْضِ الْأَرْضِ الَّتِي جَعَلَهَا لَهُمْ سُبُلًا دُونَ بَعْضٍ، فَالْعُمُومُ بِهَا أَوْلَى. وَقَوْلُهُ {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: جَعَلْنَا هَذِهِ الْفِجَاجَ فِي الْأَرْضِ لِيَهْتَدُوا إِلَى السَّيْرِ فِيهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا} لِلْأَرْضِ مَسْمُوكًا، وَقَوْلُهُ: (مَحْفُوظًا) يَقُولُ: حَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {سَقْفًا مَحْفُوظًا} قَالَ: مَرْفُوعًا. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: {وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا}... الْآيَةَ: سَقْفًا مَرْفُوعًا، وَمَوْجًا مَكْفُوفًا. وَقَوْلُهُ: {وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ} يَقُولُ: وَهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ عَنْ آيَاتِ السَّمَاءِ. وَيَعْنِي بِآيَاتِهَا شَمْسَهَا وَقَمَرَهَا وَنُجُومَهَا. (مُعْرِضُونَ) يَقُولُ: يُعْرِضُونَ عَنِ التَّفَكُّرِ فِيهَا وَتُدَبِّرِ مَا فِيهَا مِنْ حُجَجِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَدَلَالَتِهَا عَلَى وَحْدَانِيَّةِ خَالِقِهَا، وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِبَادَةَ إِلَّا لِمَنْ دَبَّرَهَا وَسَوَّاهَا، وَلَا تَصْلُحُ إِلَّا لَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ} قَالَ: الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ آيَاتُ السَّمَاءِ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. وَقَوْلُهُ: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، نِعْمَةً مِنْهُ عَلَيْكُمْ وَحُجَّةً، وَدَلَالَةَ عَظِيمِ سُلْطَانِهِ، وَأَنَّ الْأُلُوهَةَ لَهُ دُونَ كُلِّ مَا سِوَاهُ فَهُمَا يَخْتَلِفَانِ عَلَيْكُمْ لِصَلَاحِ مَعَايِشِكُمْ وَأُمُورِ دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتِكُمْ، وَخَلَقَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ أَيْضًا، {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} يَقُولُ: كُلُّ ذَلِكَ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْفَلَكِ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ كَهَيْئَةِ حَدِيدَةِ الرَّحَى.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلَهُ: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} قَالَ: فَلَكٌ كَهَيْئَةِ حَدِيدَةِ الرَّحَى. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: (كُلٌّ فِي فَلَكٍ) قَالَ: فَلَكٌ كَهَيْئَةِ حَدِيدَةِ الرَّحَى. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: ثَنِي جَرِيرٌ عَنْ قَابُوسِ بْنِ أَبِي ظَبْيَانِ عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} قَالَ: فَلَكُ السَّمَاءِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْفَلَكُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ سُرْعَةُ جَرْيِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَغَيْرِهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} الْفَلَكُ: الْجَرْيُ وَالسُّرْعَةُ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْفَلَكُ مَوْجٌ مَكْفُوفٌ تَجْرِي الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ فِيهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ الْقُطْبُ الَّذِي تَدُورُ بِهِ النُّجُومُ، وَاسْتَشْهَدَ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ لِقَوْلِهِ هَذَا بِقَوْلِ الرَّاجِزِ: بَـاتَتْ تُنَـاجِي الْفَلَـكَ الـدَّوَّارَا *** حَـتَّى الصَّبـاحِ تَعْمَـلُ الْأَقْتَـارَا وَقَالَ آخَرُونَ فِي ذَلِكَ، مَا حَدَّثَنَا بِهِ بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}: أَيْ فِي فَلَكِ السَّمَاءِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} قَالَ: يَجْرِي فِي فَلَكِ السَّمَاءِ كَمَا رَأَيْتَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} قَالَ: الْفَلَكُ الَّذِي بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مِنْ مَجَارِي النُّجُومِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَقَرَأَ: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} وَقَالَ: تِلْكَ الْبُرُوجُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَيْسَتْ فِي الْأَرْضِ {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} قَالَ: فِيمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ النُّجُومُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. وَذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْفَلَكُ طَاحُونَةٌ كَهَيْئَةِ فَلَكَةِ الْمِغْزَلِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْفَلَكُ كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ كَحَدِيدَةِ الرَّحَى، وَكَمَا ذُكِّرَ عَنِ الْحَسَنِ كَطَاحُونَةِ الرَّحَى، وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَوْجًا مَكْفُوفًا، وَأَنْ يَكُونَ قُطْبَ السَّمَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْفَلَكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ دَائِرٌ، فَجَمْعُهُ أَفْلَاكٌ، وَقَدْ ذَكَرْتُ قَوْلَ الرَّاجِزِ: بَاتَّتْ تُنَاجِي الْفُلْكَ الدَّوَّارَا وَإِذْ كَانَ كُلُّ مَا دَارَ فِي كَلَامِهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا فِي خَبَرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا عَمَّنْ يُقْطَعُ بِقَوْلِهِ الْعُذْرُ دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى أَيِّ ذَلِكَ هُوَ مِنْ أَيٍّ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ نَقُولَ فِيهِ مَا قَالَ، وَنَسْكُتَ عَمَّا لَا عِلْمَ لَنَا بِهِ. فَإِذَا كَانَ الصَّوَابُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَنَا مَا ذَكَرْنَا، فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ: وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، كُلُّ ذَلِكَ فِي دَائِرٍ يَسْبَحُونَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: (يُسَبِّحُونَ) فَإِنَّ مَعْنَاهُ: يَجْرُونَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} قَالَ: يَجْرُونَ. حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ: (يَسْبَحُونَ) قَالَ: يَجْرُونَ. وَقِيلَ: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} فَأَخْرَجَ الْخَبَرَ عَنِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مَخْرَجَ الْخَبَرِ عَنْ بَنِي آدَمَ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ، وَلَمْ يَقُلْ: يَسْبَحْنَ أَوْ تَسْبَحُ، كَمَا قِيلَ: {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} لِأَنَّ السُّجُودَ مِنْ أَفْعَالِ بَنِي آدَمَ، فَلَمَّا وُصِفَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِمِثْلِ أَفْعَالِهِمْ، أَجْرَى الْخَبَرَ عَنْهُمَا مَجْرَى الْخَبَرِ عَنْهُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا خَلَّدْنَا أَحَدًا مِنْ بَنِي آدَمَ يَا مُحَمَّدُ قَبْلَكَ فِي الدُّنْيَا فَنُخَلِّدُكَ فِيهَا، وَلَا بُدَّ لَكَ مِنْ أَنْ تَمُوتَ كَمَا مَاتَ مَنْ قَبْلَكَ رُسُلُنَا {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} يَقُولُ: فَهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ بِرَبِّهِمْ هُمُ الْخَالِدُونَ فِي الدُّنْيَا بَعَدْكَ، لَا مَا ذَلِكَ كَذَلِكَ، بَلْ هُمْ مَيِّتُونَ بِكُلِّ حَالٍ عِشْتَ أَوْ مِتَّ، فَأُدْخِلَتِ الْفَاءُ فِي إِنَّ وَهِيَ جَزَاءٌ، وَفِي جَوَابِهِ، لِأَنَّ الْجَزَاءَ مُتَّصِلٌ بِكَلَامٍ قَبْلَهُ، وَدَخَلَتْ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ فَهُمْ لِأَنَّهُ جَوَابٌ لِلْجَزَاءِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِ فَهُمُ الْفَاءُ جَازَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ مَحْذُوفَةً، وَهِيَ مُرَادَّةٌ، وَالْآخَرُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا تَقْدِيمُهَا إِلَى الْجَزَاءِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَفَهُمُ الْخَالِدُونَ إِنْ مِتَّ. وَقَوْلُهُ {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: كُلُّ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ مِنْ خَلْقِهِ مُعَالِجَةٌ غُصَصَ الْمَوْتِ وَمُتَجَرِّعَةٌ كَأْسَهَا. وَقَوْلُهُ {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَنَخْتَبِرُكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ بِالشَّرِّ وَهُوَ الشِّدَّةُ نَبْتَلِيكُمْ بِهَا، وَبِالْخَيْرِ وَهُوَ الرَّخَاءُ وَالسَّعَةُ الْعَافِيَةُ فَنَفْتِنُكُمْ بِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ: قَالَ: ثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} قَالَ: بِالرَّخَاءِ وَالشِّدَّةِ، وَكَّلَاهُمَا بَلَاءٌ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} يَقُولُ: نَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ بَلَاءً، وَالْخَيْرِ فِتْنَةً، {وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ}. حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} قَالَ: نَبْلُوهُمْ بِمَا يُحِبُّونَ وَبِمَا يَكْرَهُونَ، نَخْتَبِرُهُمْ بِذَلِكَ لِنَنْظُرَ كَيْفَ شُكْرُهُمْ فِيمَا يُحِبُّونَ، وَكَيْفَ صَبْرُهُمْ فِيمَا يَكْرَهُونَ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ} يَقُولُ: نَبْتَلِيكُمْ بِالشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ، وَالصِّحَّةِ وَالسِّقَمِ، وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَالْهُدَى وَالضَّلَالَةِ، وَقَوْلُهُ {وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} يَقُولُ: وَإِلَيْنَا يَرُدُّونَ فَيُجَازَوْنَ بِأَعْمَالِهِمْ، حَسَنِهَا وَسَيِّئِهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَإِذَا رَآكَ) يَا مُحَمَّدُ {الَّذِينَ كَفَرُوا} بِاللَّهِ، {إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا} يَقُولُ: مَا يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا سُخْرِيًّا يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ {أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ} يَعْنِي بِقَوْلِهِ: يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ بِسُوءٍ وَيَعِيبُهَا، تَعَجُّبًا مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَيَعْجَبُونَ مِنْ ذِكْرِكَ يَا مُحَمَّدُ آلِهَتَهُمُ الَّتِي لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ بِسُوءٍ {وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ} الَّذِي خَلَقَهُمْ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِمْ، وَمِنْهُ نَفْعُهُمْ، وَبِيَدِهِ ضُرُّهُمْ، وَإِلَيْهِ مَرْجِعُهُمْ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ مِنْهُمْ أَنْ يَذْكُرُوهُ بِهِ (كَافِرُونَ) وَالْعَرَبُ تَضَعُ الذَّكَرَ مَوْضِعَ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ، فَيَقُولُونَ: سَمِعْنَا فُلَانًا يُذَكِّرُ فُلَانًا، وَهُمْ يُرِيدُونَ سَمِعْنَاهُ يُذَكِّرُهُ بِقَبِيحٍ وَيَعِيبُهُ؛ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلِ عَنْتَرَةَ: لَا تَذْكُـرِي مُهْـرِي وَمَـا أطْعَمْتُـهُ *** فَيَكُـونَ جِـلْدُكِ مِثْـلَ جِـلْدِ الْأَجْرَبِ يَعْنِي بِذَلِكَ: لَا تَعِيبِي مَهْرِي. وَسَمِعْنَاهُ يُذَكِّرُ بِخَيْرٍ.
|